في برنامج تلفزيوني شهير، في حوار مع شخصية ناجحة، قالت المذيعة بحماس كبير: إن «أفضل هدية تقدمها الأُم لأبنائها هي القدرة على اتخاذ القرارات».
فحدَّثت نفسي: هذا ما أشك أنني علَّمته لأبنائي حتى الآن، ربّما لأنني لا أراه هدفاً يمكن القفز إليه، بل نتيجة لطريق طويل من البناء. أقضي كثيراً من الوقت فقط في دعم إيمانهم بالحياة الذي يضع نفسه أغلب الوقت على رأس أولوياتنا في واقع بات يمور بالإحباط والسخط.
في الأوقات التي لا يستغرقها فضّ الاشتباكات الغاضبة بينهم وبين العالم الخارجي، أحاول أن أبرز لهم الحياة كجوهرة وأروح أغريهم بالافتنان بها. أضع أيديهم على ما أعده جميلاً أو له قيمة حقيقية، وأعينهم على اكتشاف القبيح والزائف. أفعل ذلك طوال الوقت بغير قصد تقريباً مدفوعة بتجربتي في الحياة: إننا لا نحتاج إلى شيء حتى نتعلم الحزن، نتعلمه سريعاً ومبكراً جداً؛ ولكننا نحتاج إلى أن نتعلم كيف نفرح بالحياة. أعوّل كثيراً على التأسيس لإدراك السعادة والتعمق وراءها أبعد من قشرة المتع العابرة. ومدفوعة أيضاً بتجربتي ككاتبة أجد الجمال هو الباب الذهبي لفهم الحياة وعيشها، أن نتعلم اكتشافه وأن نسعى إليه، فهو كثيراً ما يلهمنا حلولاً عبقرية تؤدي إلى التجانس بيننا وبين العالم.
مختصو علم النفس والاجتماع يوصوننا بالمحبة كعلاج؛ لكنّ المحبة لا تعرف كيف تلد نفسها، ولا يمكنك أن تحمل أحداً عليها. أتصور أنّ الجمال يلد المحبة. إننا نقع على الفور في حب ما نصفه جميلاً، علينا فقط أن نتعلم كيف يبدو الجمال بكل وجوهه ونتدرب على أن نراه في أبسط مفردات الحياة.
فهل يمكنني أن أعد ذلك هديتي لأبنائي؟ أو حتى هل يفلح ذلك؟ لست واثقة. تعلمت من تجارب أصدقائي الذين بلغ أبناؤهم مبلغ الشباب ألا أثق تماماً في النتائج، وأن أنفتح لجميع التوقعات. البارعون في التربية والحاذقون الذين أرهقوا أنفسهم في تطبيق توصيات المختصين لم يحظوا بنتائج مرضية. المربون يولِّدون لدينا وهماً بأن التربية كالمعادلات الكيميائية الثابتة، بينما يثبت لنا الواقع غير ذلك.
فاختلاف طبائع الأشخاص أو الظروف المحيطة بهم لا يؤدي إلى النتائج نفسها، ما يجعل هناك مساحة كبيرة لاجتهادنا.. أسمح نفسي إذن بهوامش من الاختلاف.
في حقيقة الأمر، تنطوي التربية على قدر من المخاطرة، وكذلك هي الحياة. يجب أن ندرك أننا لا ننفرد بتربية أبنائنا، فالعالم بأكمله يربي معنا. ليت الأُمّهات المثقلات بالهموم يدركن ذلك يسترخين قليلاً ويتحررن من رعب الإحساس بالمسؤولية الكاملة عمّا يئول إليه الأبناء! أفهم جيداً هذه الوطأة، فأنا لم يقلقني يوماً اختلافي عن المألوف، أفعل برضا ما أراه صائباً. أمّا حينما يتعلق الأمر بالأبناء، فلا أخلو من مناوشة القلق بين حين وحين. وعندئد أهدئ نفسي بالقول: ها أنا أضرب لهم بنفسي مثالاً في القدرة على الاختلاف، ألا يعد ذلك تطبيقاً يومياً على استقلالية الشخصية التي تعد القدرة على اتخاذ القرارات من أبسط ملامحها؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق